تفسير : ( ثُمَّ الذين كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ يَعْدِلُونَ)
تفسير الطبري

القول في تأويل قوله : (
ثُمَّ الذين كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ يَعْدِلُونَ)
قال أبو جعفر : يقول - تعالى ذكره - ، معجبا خلقه المؤمنين من كفرة
عباده ، ومحتجا على الكافرين : إن الإله الذي يجب عليكم - أيها الناس -
حمده ، هو الذي خلق السماوات والأرض ، الذي جعل منهما معايشكم وأقواتكم ،
وأقوات أنعامكم التي بها حياتكم . فمن السماوات ينزل عليكم الغيث ، وفيها
تجري الشمس والقمر باعتقاب واختلاف لمصالحكم . ومن الأرض ينبت الحب الذي به
غذاؤكم ، والثمار التي فيها ملاذكم ، مع غير ذلك من الأمور التي فيها
مصالحكم ومنافعكم بها والذين يجحدون نعمة الله عليهم بما أنعم به عليهم من
خلق ذلك لهم ولكم ، أيها الناس " بربهم " الذي فعل ذلك وأحدثه " يعدلون "
يجعلون له شريكا في عبادتهم إياه ، فيعبدون معه الآلهة والأنداد والأصنام
والأوثان ، وليس منها شيء شركه في خلق شيء من ذلك ، ولا في إنعامه عليهم
بما أنعم به عليهم ، بل هو المنفرد بذلك كله ، وهم يشركون في عبادتهم إياه
غيره . فسبحان الله ما أبلغها من حجة ، وأوجزها من عظة ، لمن فكر فيها بعقل
، وتدبرها بفهم !
.قال الفخر الرازي :
اعلم أن العدل هو التسوية.
يقول : عدل الشيء بالشيء إذا سواه به ، ومعنى {يَعْدِلُونَ} يشركون به غيره.
فإن قيل : على أي شيء عطف قوله: {ثُمَّ الذين كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ يَعْدِلُونَ}.
قلنا: يحتمل أن يكون معطوفًا على قوله: {الحمد للَّهِ} على معنى أن الله
حقيق بالحمد على كل ما خلق لأنه ما خلقه إلا نعمة {ثُمَّ الذين كَفَرُواْ
بِرَبّهِمْ يَعْدِلُونَ} فيكفرون بنعمته ، ويحتمل أن يكون معطوفًا على
قوله: {خَلَقَ السموات والارض} على معنى أن خلق هذه الأشياء العظيمة التي
لا يقدر عليها أحد سواه، ثم إنهم يعدلون به جمادًا لا يقدر على شيء أصلًا.
فإن قيل: فما معنى ثم؟
قلنا: الفائدة فيه استبعاد أن يعدلوا به بعد وضوح آيات قدرته
اهـ .



والله أعلى وأعلم