زيارة ... لأخ في الله ...

زيارة ... لأخ في الله ...

اقتباس :: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

اللهم صلّ على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي الطاهر الزكي الذي ملأت قلبه بنور جلالك وملأت عينه بنور جمالك وملأت سمعه بلذيذ خطابك وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا بقدر عظمة ذاتك في كل وقت وحين .
أخرج الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن أبي هريرة انه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم : " أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى . فأرصد الله له ، على مدرجته ، ملكا . فلما أتى عليه قال : أين تريد ؟ قال : أريد أخا لي في هذه القرية . قال : هل لك عليه من نعمة تربها ؟ قال : لا . غير أني أحببته في الله عز وجل . قال : فإني رسول الله إليك ، بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه" .
وهذه الرحلة هي زيارة لبعض الإخوان في الله بالقاهرة والإسماعيلية ... وأخونا إبراهيم عبد الرحمن وهو الذي كان له الفضل في توبتي ... ولم أره منذ مدة ليست بالقصيرة ... وعزمت على بدء هذه الرحلة ... وكان بصحبتي الأخ الدكتور يحي دسوقي من أسوان والأخ سيد إسماعيل .
الأربعاء الموافق 22 / من فبراير 2012 م
يحتاج الإنسان إلى تجديد نشاطه بين الفينة والأخرى ، بعيداً عن رتابة الحياة ، وملل الأيام ، وكذلك تتاح هذه الفرص مرات نادرة ، والفَطِنْ هو الذي يلتقطها ويقوّي بها ذاكرته وينعش مشاعره ، حتى يستيقظ ويتحرر من كدر المطالب ، ويعود إلى فطرته التي فطره الله عليها ، ومن ثمَّ ـ أحياناً ـ نبحث عن هذه الأشياء ، ونلتمس الأعذار كي نبحث عنها .
هذه المشاعر والأحاسيس والتي لم أستطع أنْ أقاومها وتركت لها العنان ، فتدفقت كل هذه المعاني في لحظة عشتها بعد أن رجعت من رحلتي من مدينة الإسماعيلية لزيارة أخي وحبيب قلبي ، أخي في الله ورفيق رحلتي إبراهيم عبد الرحمن ؛ هذا الرجل والذي له الفضل ولا أستطيع إلا أن أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجزيه عني خير الجزاء ، فقد كان سبباً في توبتي ورجوعي إلى طريق الله منذ أكثر من ثمانية وثلاثين عاماً مضت .
وأبدأ في سرد وقائع هذه الرحلة منذ أنْ عزمت على السفر إلى أسوان يوم الجمعة الموافق 17 من شهر فبراير 2012 م ، وقد سبق أن اتصل بي دكتور / يحي دسوقي من أسوان ليؤكد لي أنه حجز تذاكر السفر إلى القاهرة يوم الاثنين الموافق 20 من شهر فيراير الجاري ، فقلت له : " على بركة الله " ركبت قطار رقم 980 القادم من القاهرة وحجزت تذكرة بالدرجة الأولى من دشنا إلى أسوان . معي حقيبة السفر والتي بها أشيائي الشخصية وما يلزمني لرحلة القاهرة ، وأيضا معي عدد اثنين " كرتونه " مليئة بالكتب وحضر معي بمحطة دشنا إخواني وأحبابي في الله ورفقاء سيري إلى الله ... الشيخ / أحمد مجاهد ، جعفري خضر ، أبو الحسن مراد ، انتظروا معي حتى قدوم القطار ، وذلك من الساعة الثالثة والنصف حتى الساعة الرابعة والنصف عصراً ، وحملوا عني هذه الأشياء بكل أثقالها ، وحملوا أيضاً معهم كل أثقالي وهمومي فلم يشعروني أني أحمل أي " شيَّل " وكما تعلمون كل واحد منا يرغب في أن تكون أحماله خفيفة ، وقد أحسست أنهم يحملون عني كل هذه الأشياء من فوق أكتافي إلى أكتافهم وفوق رؤوسهم ، استودعتهم في الله ورسوله ـ كما كانت تقول لي أمي ـ رحمها الله ـ حين تودعني بعد أن أزورها : " ودعتك في الله ورسوله " وحين أكون خارجاً من المنزل ؛ وكان هذا الدعاء يعطيني القوة والتفاؤل حتى أعود مرة ثانية .
وضع الإخوان هذه الأشياء الثقيلة في القطار وعيونهم لم تفارقني ... جلست في المقعد المخصص لي حسب الرقم بالحجز ، أخرجت كتاباً للقراءة ـ كعادتي في السفر دائماً ، وكنت في بعض الأحايين أشتاق للسفر بالقطار حتى أستغرق في تصفح وقراءة كتاب ، فأضع دائماً بالحقيبة كتاب أو اثنين ؛ وبالطبع لم أشعر بمرور الزمن ، فقد أوشك القطار أن يصل إلى رصيف محطة أسوان .
كان زوج ابنتي الكبرى ينتظرني بالمحطة ، وكلف أحد الحمالين لنقل هذه الأحمال من الرصيف إلى خارج المحطة ليضعها بالسيارة ، ذهبنا إلى منزلي بنفس منتعشة ... قضيت ليلتي بالمنزل ولم أخرج لمقابلة أي احد .
في اليوم التالي ...السبت 20/2/2012 آثرت عدم الخروج أيضاً إلا لشراء بعض اللوازم للمنزل . اتصل بي قبيل صلاة المغرب الأخ الكريم سيد عثمان وقال لي : " أن هناك واجب عزاء في أحد اقرباء الشيخ بكوم امبو بالبيارة " فقلت له : " سوف أذهب بإذن الله معكم " . اتصلت بالأخ الدكتور أمجد عبد المقصود ليقابلني في كوم امبو لأسلمه عدد 50 نسخة من كتاب روائح النسيم من أقوال سيدي أحمد ابو سليم " والذي تم طبعه مؤخراً ليسلم منه نسخ للإخوان .
أدينا واجب العزاء وكان معنا بالسيارة " الميكروباص " السيد / صلاح أبوسليم ابن الشيخ الأصغر والإخوان ... سيد عثمان ، محمود عبد اللطيف ، سيد محمد على ، عبد القادر شحات وآخرين ، وسلمت النسخ من الكتاب للدكتور أمجد ، وأثناء عودتنا إلى مدينة أسوان تحدث أحد الإخوان وقال : " والله أنا قلت للشيخ أنَّ سيدي أبي الحسن الشاذلي وسيدنا الحسين وغيرهم من الأفاضل لم يكتبوا كتباً ، واحنا يا مولانا .. كتبك .. كما قال سيدي أبو الحسن كتبي أولادي ... وبعد لحظات ... انتابني غضب من هذا الأخ فقلت له : " أنت يا أستاذ قد قلت ذلك للشيخ فرد عليك الشيخ وأجابك بما في نفسك ، لأسباب كثيرة منها : أن الشيخ يخاطب الناس على قدر عقولهم ، ولكن حقيقة الأمر يا هذا !! أنَّ التلاميذ هم الذين ينشرون فكر المصلحين وفكر الصالحين ... وكما ورد أنَّ سيدي ابن عطاء الله السكندري هو الذي كتب في مناقب سيدي أبي العباس المرسي وسيدي أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنهم أجمعين وذلك في كتبه المعروفة والمشهورة مثل لطائف المنن ( الصغرى) والحكم العطائية ، ولولا هذا النقل ما علمنا كلمة مما قالها الشيخ أبو الحسن وكذلك سيدي أحمد زروق من مشايخ الشاذلية ومن الذين كتب ودون ما سمعه من مشايخه ، وغيرهم كثير ، ولولا هذا التدوين لضاعت كل علوم العلماء من الفقه والحديث والقرآن وأقوال وأفعال الصالحين ... ويا أخي الكريم إنني لا أعتبر نفسي قد دونت أو كتبت كل أقوال الشيخ ، ولو أننا حافطنا على كل ما قاله الشيخ لنا وما تعلمناه منه وقمنا بتدوينه وما شرحه لنا في كل مناحي الحياة لامتلأت مجلدات كثيرة ينوء عن حِملها أكبر الحافلات ... وللأسف بإهمالنا ... وجهلنا أحياناً .. وعدم فهمنا لما يجب أن نفعله ، أضعنا الكثير من هذه الدرر وهذه الجواهر ؛ والتي أفنى حياته معنا لوجه الله تعالى .. وهذه الدرر لا نجدها في كتب الأولين أو المتأخرين من العلماء أو الصالحين ." ... وبعد أن انتهيت من مقولتي اعتذر الأخ محمود وقال : " إنني لا أقصد كل ذلك " ... وأقول : نظراً ً لعدم إدراكنا ودرايتنا بأهمية العلم وأهمية التعلم ، أصبحت هذه الأشياء لا تكون لها أي اعتبارات معنا ، وقد سمعنا فضيلة مولانا الشيخ مراراً وتكراراً يقول لنا ويحثنا على القراءة والتعلم والبحث والسؤال ... وهذه الأمور والتي تبدر من بعض الإخوان ـ أحياناً ـ تؤدي إلى تثبيط الهمم ، وتجعل كل من يهم ويحاول تدوين ما يقوله الشيخ ، تجعله هذه التصرفات يعدل عنها ، خوفاً من النقد أو الحديث في أشياء لا لا يفهمها بعض الإخوان .
في اليوم التالي الموافق 19 / 2 / 2012 م
توجهت إلى الزاوية بالحصايا لحضور مجلس الذكر والصلوات المعتاد ، حضر فضيلة مولانا الشيخ بالتزامن مع دخولي الزاوية ... سلمنا عليه ثم جلسنا جميعاً حوله
بدأ الأخ الأستاذ الدكتور / محمد نجيب بالسؤال عن حديث المفردون ... وسوف أورد النصوص والتي رويت لهذا الحديث ...
1 ـ روى سيدنا أبوهريرة ... أنه قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في طريق مكة . فمر على جبل يقال له جمدان . فقال " سيروا . هذا جمدان . سبق المفردون " قالوا : وما المفردون ؟ يا رسول الله ! قال " الذاكرون الله كثيرا ، والذاكرات " أخرجه مسلم في الصحيح
2 ـ ما أخرجه العراقي من كتاب الإحياء ... " سبق المفردون قيل ومن هم المفردون يا رسول الله ؟ قال : المتنزهون بذكر الله تعالى وضع الذكر عنهم أوزارهم فوردوا القيامة خفافا ."
3 ـ أخرج الهيثمي في مجمع الزوائد برواية أبي هريرة .. " سبق المفردون قالوا يا رسول الله وما المفردون قال الذين يهترون في ذكر الله عز وجل " . فقال فضيلة مولانا الشيخ نعم هؤلاء هم المفردون بالتوحيد لله سبحانه وتعالى ... فكانت نفحات طيبة جعلتنا كلنا تنهمر دموعنا دون أن ندري ، ولكن هذه هي ما كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ما يفعلونه في جلوسهم معه ، وكذلك نحن ـ ولله المثل الأعلى ـ حين نجلس مع فضيلته ، تفيض أعيننا بالدموع وتنهمر دون سبب ، فهي جلسات يَمُنُّ الله بها علينا من بركات آل بيت رسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، فهم على قدم المصطفى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وهم ميراثه وعلى نهجه يمضون .... كانت هذه الجلسة قد أعادت لي روحي مرة أخرى ... وكأنه يحادثني ويقول لي امض فيما أنت مقدم عليه وقد أعطيتك الأذن من قبل ، ولا تنشغل بما يقوله هؤلاء ... وذهب عني كل الغضب وكل الذي دار في نفسي مع أخي محمود وكأن شيئاً لم يكن .
ذهبت إلى محطة السكة الحديد لأستقل قطار رقم 997 وذلك يوم الاثنين الموافق 20/2/2012 وذهب معي زوج ابنتي ووضع الحقيبة وكرتونة الكتب بالقطار ... وحضر الدكتور يحي دسوقي ثم مضى القطار بنا في طريقه إلى القاهرة ... وكالعادة أخرجت كتاب لقراءته ... وتبادلت أطراف الحديث مع أخي يحي ، وبين غفوة وصحوة ، قضينا ليلتنا بالقطار ، حتى وصلنا محطة الجيزة الساعة التاسعة من صباح يوم الثلاثاء 21/2/2012م ، كان في انتظارنا الأخ محمد سلومة ، وكنت قد رأيته أول مرة في ليلة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف هذا العام والذي يقام كل عام بزاوية السد العالي ... وكان قد اتصل بي تليفونيا ونحن بالقطار ... وجاء معي إلى الاستراحة الخاصة بالجامعة بمنطقة فيصل ...
وإلى لقاء لاستكمال هذه الرحلة وانطباعاتي فيها ...

أستأنف معكم ... هذه الزيارة لأخٍ في الله

تحدث معي محمد سلومة في أشياء كثيرة وكيف تعرف على إخواننا وكانوا سبباً في توبته ورجوعه إلى الله سبحانه وتعالى ، ومما قاله وجود بعض المشكلات بينه وبين بعض الإخوان وذلك من الاختلاف في وجهات النظر لكل منهم ، فنصحته بأن يكون مع الله سبحانه وتعالى ، وأن هذه الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى تتطلب عدة أشياء لابد للداعي أن يتسلح بها ، وإن لم توجد فيه ، فله ان يلتزم بخويصة نفسه ، ويتعلم آداب الطريق . ولا يتعرض للدعوة فقد جاء في الحكم العطائية لسيدي ابن عطاء الله السكندري رضي الله عنه في حكمة من حكمه بقوله : " خروج المريد قبل تمامه سمٌ قاتل " أي أنَّ المريد إذا خرج للدعوة إلى الله قبل أن يتعلم العلوم الشرعية الظاهرة والتي لا تتأتى إلا بالتعلم والتلقي ، وكذلك علوم آداب الطريق إلى الله من التسليم المطلق لله سبحانه وحده ، وألا يكون للسوى في قلبه مكان ، فإذا خرج هذا المريد قبل أن يتم من معرفة وأدب فهو سمٌ قاتل عليه نفسه وعلى غيره ممن يدعوهم فيفسد نفسه وغيره .
ومفهوم الإرادة كما أوضحه الحبيب على الجفري في مجموعة محاضرات : " الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك سبحانك لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك فلك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرّضا اللهمّ صلّي على سيّدنا مُحمّد وعلى آل بيته وأصحابه وتابعيهم والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدّين، في فاتحة هذه المجالس المباركة نتذاكر معا عن المقصود من هذه المدارس.
يقول رب العزة سبحانه وتعالى : بسم الله الرّحمن الرّحيم ” من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموماً مدحورا ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا “
تأملوا هنا يقول الله سبحانه وتعالى ” من كان يريد “، الكلام هنا عن الإرادة.. (من كان يريد العاجلة)، ثم يقول سبحانه وتعالى (ومن أراد الآخرة) مصيرنا جميعاً في هذا الوجود ارتبط إذاً بما نريد.. أحوالنا مآلاتنا سعادتنا أو الشقاوة والرضا أو الغضب الفلاح أو الخيبة كلها يتصل بما يريده الواحد منا في هذه الحياة ..هذا التقسيم الّذي جعله الله عزّ وجلّ فارقا بين السعادة والشقاوة بين الجنة والنار بين الرّضا والغضب ارتبط بما يريده كلّ منّا من حياته وجعل الله سبحانه وتعالى مجرد إرادة الدنيا سبباً في حصول الخسران وحصول العذاب والغضب (مجرد إرادة الدنيا) ثم جعل إرادة الآخرة مقرونة بالسعي الذي يترتب على هذه الإرادة ..
ما هي الدنيا !! وأين هي الآخرة منها ؟
منذ زمن ونحن نسمع الحديث عن إرادة الدّنيا.. الدّنيا.. الدّنيا.. أهل الدّنيا وأهل الآخرة.. ما المقصود بالدنيا الّتي يُتحدّث عنها بأنّ إرادتها…من عاش وهو يريد من عيشه الّذي يعيشه هنا أن يتحصّل فقط على الدّنيا؟ وما هو المقصود بكلمة الدنيا المذمومة هل هي الطعام والشراب اللباس هل هي المركب الذي يركبه أحدنا سيارة أو طيارة المنزل أو الأثاث والمال الذي يحصله ؟؟ وهل حصول هذه الأشياء يجعل أحدنا مريداً للدنيا فيكون بذلك متعرضاً للغضب؟ ، الآخرة ما المقصود من إرادة الآخرة؟ هل المقصود من إرادة الآخرة أن لا يكون لنا نصيباً بالدنيا أو صلة قط؟
هذه معان يترتب عليها منهج حياة نعيشه يترتب عليها شيء يسمى السّير إلى الله سبحانه وتعالى في هذه المجالس سيكون حديثنا عن السّير إلى الله، عن إرادة السّير إلى الله حول إرادة الوصول إلى الله حول إرادة نيل رضوان الله حول إرادة الآخرة على حقيقتها وكل في هذا الوجود مريد إمّا أن يكون مريدا للدنيا منقطعا بها لها وإمّا أن يكون مريدا للّه للوصول إلى الله ورضوان الله.
نستعرض ما سيكون في مجالسنا المقبلة من تسلسل في قرع أبواب التّعرّف على معنى الوصول إلى الله كيف نصل على الله عزّ وجلّ؟ كيف ننال رضوانه؟ دعونا نفهم أو نتفهّم المقصود من ضدّ ذلك… من الشيء الّذي نهانا الله عنه… إراذة الدنيا.
ما المقصود من إرادة الدّنيا؟ الّتي وصل التّحذير منها إلى الحدّ الّذي ينذر الله عز وجلّ العبد فيه أنّه بمُجرّد أن يريد الدّنيا أن يصبح مريدا للدّنيا فهو مذموم… فهو في النّار… فهو مبعد. ما المقصود هنا بالدّنيا؟
يقول العلماء : الدنيا هي (كل ما وجد على هذه الأرض في هذا العالم مما تتناوله يد الإنسان) ، وما دام الأمر يتعلق بما يريده الإنسان مما يتعلق بحياته في هذه الأرض فأين وجه الذّم أن يتعلّق قلبك بأنّك تريد أن تلبس؟ أن تأكل؟ أن تشرب؟ أن تنال سيّارة تركبها؟وهذا الأمر ناله سادتنا الصحابة بما يتناسب مع ذواتهم ركبوا الدواب ولبسوا الثياب وأكلوا الطعام التابعون تابعوا التابعين أكابر الصالحين والصالحات من الأمة عاشوا هذه الحياة، فأين وجه الذنب؟
المقصود بالمذموم من إرادة الدنيا:
بالخطر في إرادة الدنيا أمران.. الأمر الأول: تعلق القلب والأمر الثاني: انشغال الجسد بما تعلق به القلب..
الأمر الأول:- تعلّق القلب – بمعنى أن يعيش الإنسان في هذه الحياة وليس له مقصود.. ليس له هدف إلا أن يتمتع فقط بهذه الدنيا، إلا أن يعيش لها ثم يترتب على هذا أنّ وقته جهده فكره ماله الجسد موظف لهذا المقصد ،هنا تأتي الإشكالية ماذا يحتاج الإنسان من هذه الدنيا .
حقيقة ما يحتاجه الإنسان في حياته
س: ما هو الأمر الذي يجعل الإنسان يشغل وقته؟ يشغل فكره؟ يشغل جهده في هذه الحياة التي يعيشها؟
قالوا حقيقة ما يحتاجه الإنسان: طعام يقوى به بدنه على الحياة، لباس يستر عورته يكنه من البرد، مسكن يأوي إليه هو ومن معه؛ حقيقة ما يحتاجه كل إنسان في هذه الدّنيا – مسلم، كافر، كبير، صغير، رجل، امرأة، عاقل، ضدّ العقل: مجنون- كلّ إنسان في هذه الحياة يحتاج إلى ثلاثة أشياء من هذه الدّنيا : طعام يقوى به جسده في الحياة، مأوى يؤويه، يضمّه، ثياب تستره.
لمّا كانت هذه هي الأساسيّات لكلّ ما يحتاجه الإنسان من الدّنيا، ترتّب على هذه الأساسيّات أنّ عقل الإنسان وفكر الإنسان منذ زمن قديم انشغل بما يترتب عن هذه الثلاثة أشياء : الطّعام جعله يفكّر في الزّراعة جعله يفكر في الصيد، في الرعاية… رعاية الغنم، الماشية، اللباس جعله يفكر في الغزل في النسيج فيما تطوّر بعد ذلك وتحوّل إلى مؤسّسات وشركات وخياطة وتسويق ومحلات للألبسة… هذا تطور متأخر. السكن جعله يحتاج إلى صناعة، إلى عمالة. هذه المتطلبات الّتي يحتاجها الإنسان قد توسعت قليلا جعلت الإنسان يحتاج إلى علاقة بينه وبين الإنسان الآخر ليحصّل هذه الأشياء الّتي يريدها الإنسان من الحياة. جعلت الإنسان يفكر : أنا أحتاج أن أتعامل مع المزارع إن لم أكن مزارعا.. أحتاج أتعامل مع الخياط إذا لم أخط بنفسي أحتاج أن أتعامل مع البناء، الآن مع المهندسين، مع الشّركات مع المقاولات…
تطور العلاقات بين البشر وحاجاتهم
ترتّب على هذه الحاجة علاقات بين البشر… هذه العلاقات بطبيعة البشرية حصل بسببها اختلافات في وجهات النظر وتوافقات في وجهات النظر. هذه الاختلافات تطورت بين البشر، تحولت أحيانا إلى نزاعات فيما بينهم إلى خصومات. تحولت بعد ذلك إلى قتال… بعض القبائل يتقاتل مع بعضها البعض من أجل قطعة الأرض الّتي يزرعونها… أو أصحاب المواشي وهذا إلى اليوم في القرن الخامس عشر الهجري أو الواحد والعشرين الميلادي يتقاتل أناس على رعي مواشيهم في أماكن متعلّقة بالزراعة. تطوّرت أكثر اليوم يتكلّمون عن أزمة المياه، عن أزمة الغذاء تطورت المسألة أصبحت محلّ نزاع بين البشر. هذا النّزاع بين البشر وتصاعد الاختلافات بين البشر ترتّب عليه حاجة جديدة متعلّقة بالدّنيا وهي حل هذه النّزاعات، تسوية النّزاعات. ترتّب عن ذلك قوانين، قضاء، حكومات، ترّتب على ذلك نظم يعيشها البشر مع بعضهم البعض. هذه تطوّرات. هذه التّطوّرات أثّرت في نفس الإنسان. في نفسي أنا في نفسكِ أنتِ، في نفسكَ أنت. ترتّب عن هذه التّطوّرات أن القلب صار ينشغل، العقل صار ينشغل بالتّفكير، بالتّدبير. كيف أنال هذا وأحصل على ذاك؟ كيف التّاجر الفلاني لا يغشّني في البضاعة؟ التّاجر كيف أنتزع المال أكثر؟ صار الإنسان تمرّ عليه أوقاته وقلبه معلّق بشؤون الحياة ومعافسة الخلافات بين البشر… على ماذا؟ على هذه الدنيا. نشأ في ذلك شيء في القلوب، نشأ في القلوب شيء اسمه الكراهية بين النّاس. الكراهيّة تطوّرت نشأ بسببها شيء اسمه الحسد صار هذا يحسد الآخر لماذا عنده ؟ لماذا استطاع أن ينتزع مني كذا وكذا؟ الحسد رافقه إشكال آخر وهو الكبر : شعور الّذي يتقن تجاه الّذي لا يتقن.. الّذي صار عنده حصيلة كبيرة من المال صار يشعر أنه أقوى وأقدر وأعظم وأجلّ من الّذي ليس عنده هذا لمال. الّذي استطاع أن يجنّد مجموعة من البشر حواليه صار يشعر أنّ له الفضل على غيره… صار يتكبر على الآخر … صار يحصل في نفس الإنسان شيء اسمه العجب. الشّعور بالذّات ، بتفكيري بعقلي، بتدبيري ، بدأت أمولا تترتّب في نفوس البشر بناء على صلتهم بهذه الدّنيا.
أيضا، نفوس البشر لمّا بدأت تتمتع وتتلذّذ بالدّنيا الّتي تتحصّل عليها… كانت المسألة كيف أجد طعاما حتّى أستمرّ في الحياة.. طعام تقوم عليه حياتي… لباس يسترني يقيني من البرد… بيت يؤويني أنا وأهل بيتي. تطوّرت المسألة أكثر. صارت ألوان الطّعام وخيرات… وأصبح الإنسان يميل بتشهّيه… نفسه تشتهي… تريد هذا النّوع من الطّعام، ثمّ إذا رأى غيره من النّاس استطاع أن يستحدث نوعا آخر من الطّعام مدّ عينه إلى الّذي في يد غيره… أصبح يشتهي ما عند غيره. أصبح حظ النّفس وهو التّلذّذ بهذا الأمر..
الثياب.. تطوّرت من شيء يستر العورة ، يستر جسد الإنسان يميّز الإنسان عن الحيوان تحولت من شيء يكسو الإنسان يكنه من البرد إلى نوع من النظر إلى ما عند الآخرين.. فلانة لبست ثوبا شكله كذا اختلف عن الثوب الّذب عندي. فلان صار الغطاء الذي يلبسه، الثوب أو البنطال الذي يلبسه شكله كذا ثم صارت شركات تصدر لنا أنواعا من الملابس، هذه الأنواع من الملابس صارت بسببها العقول والقلوب تنشغل بتمتع بهيئة من اللباس أكثر.
صارت بسبب ذلك أوهام في عقول الناس صارت الناس في تفكر قيمة فلان كبيرة لماذا؟ يلبس من الشركة الفولانية الّتي تصنع كذا وكذا… فلانة ما شاء الله حضرت في ثوب مبهر في ثوب في المناسبة الفلانيّة ثمّ رأتها في المناسبة الثانية لبست ثوبا يبهر أكثر من الثوب الذي قبله ترتب عن ذلك ماذا؟ صارت هناك اعتبارات بين البشر . صارت منازل البشر بينهم البين ترتبط بماذا؟ بما كان في الأصل حاجة يحتاجها الإنسان..
كان الإنسان محتاجا إلى مسكن يؤويه، صار يأوي إلى المسكن ثم بدأ يفكر أكثر أريد تعدّد الحجرات، ثمّ أريد مكانا للضيوف ثمّ أريد حديقة في داخل منزلي أتنزّه إذا نظرت إليها ثمّ أريد بركة نغتسل فيها أنا وأولادي… تسبح فيها، وبدأت المسألة تتوسّع… ثمّ شكل البيت ومنظر البيت، لا أريد رخاما من نوع كذا، ما يسمى اليوم بالديكور أو هيأة البيت تطوّرت المسائل وبدأت تؤثّر في ماذا؟ في اعتباراتنا نحن كبشر، في نفوسنا، في تعاملاتنا..
الإشكال ليس في الرخام ليس في نوع البيت سواء كان من الطين أو من الحجر أو من الرخام أو من الاسمنت… الإشكال ليس في الثياب لونها أخضر أو أحمر أو من قماش من صوف كذا أو قطن كذا أو من شركة كذا … ليس في طعام، هذا ألذّ أو ذاك ألذّ.. الإشكال في تفاعلي أنا مع هذا..
* تعالوا بنا نتأمّل : أكبر مشاكل العصر الّتي يعيشها النّاس اليوم انبنت على ماذا، أكبر الحروب التي أهرقت فيها الدماء اليوم في الأرض ما أصلها؟
ما مبناها إذا فتشنا ورجعنا إلى الوراء قليلاً؟ النزاعات الشديدة بين الناس اليوم التي يعيشوها الناس، النزاعات بين الدول، بين الشعب الواحد في الدولة الواحدة، بين المجتمع أصحاب الحيّ الواحد، بين الأقارب والأرحام وقطيعة الرحم وما يترتب عليها، بين العاملين في المجال الواحد، تعالوا في البيت الواحد في الأسرة الواحدة، مشاكل الأزواج والزوجات، مشاكل نسبة الطلاق التي يتكلمون عنها اليوم مشاكل تشتت الأسر ضياع الأبناء، هذه الإشكالات الكبيرة، لو بدأنا بهدوء نتأمّلها، توافقوني أننا سنرجع في نهاية اليوم إلى أن الإشكالات الضخمة والكبيرة والعالمية والمحلية والاجتماعية و الاقتصادية والأسرية ومشكلة كل واحد منكم لو فكر سنجد أن المشاكل هذه ترجع إلى :
نفس الإنسان السعادة والشقاوة الفلاح والخيبة الرضا والغضب الحزن والفرح الراحة والطمأنينة أو ضدها الانزعاج والبؤس مرجع ذلك كله إلى نفس الإنسان ولهذا لما أقسم الله بمظاهر الوجود الشمس والقمر والليل والنهار والسماء والأرض جعل منتهى الأقسام كلها القسم بالإنسان ” ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها “ما الّذي ترتب عن هذا القسم؟ ما جواب القسم هنا ” قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ” . تتكلمون عن سعادة ؟ عن فلاح في الدنيا والآخرة؟ تتكلمون عن خيبة؟ تتكلمون عن ماذا؟ المسألة فيكم أنتم في أنفسكم لهذا نحن بحاجة إلى أن نجلس مع بعضنا البعض نتأمل ونتفكر في سيرنا إلى الله ..
من أين تختلف نظرتنا للدنيا ؟
* فرق كبير بين من يأخذ اللقمة وهو يريد من هذه اللقمة أن يحافظ على أمانة الجسد الذي ائتمنه الله عز وجل عليه للحفاظ على هذه الأمانة.. ما نتشهّى ما نتمتّع؟ تشهى تمتع لكن وأنت تتشهى تنوي عند أكلك لهذه اللقمة الطيبة التي ساقها الله لك أن تستخرج معنى الحمد من قلبك .
* قصة : يذكرون أن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم وجهه لما سئل أتشرب الماء المبرد أم غير المبرد كان بعض المتزهدين في عصره يتجنبون شرب الماء المبرد قال علي بن أبى طالب بل أشرب المبرد قال لمَ يا أمير المؤمنين قال لأنه يستخرج الحمد من صميم القلب ..
قال أنت في شدّة الحر ّ والصّيف أو تكون صائما وجاء وقت الإفطار عندما يأتي ماء فيه شيء من البرودة مع شدة القيظ والحرارة وتشرب الماء هذا الّذي فيه برودة كيف تشكر الله؟ الحمد لله (من القلب) تخرج الحمد من صميم القلب لو كان الماء فاترا أو باردا .. الحمد لله (بفتور) قال أستخرج الشكر من صميم قلبي ..
المسألة ترجع للإرادة بين الذي يأكل طعاماً أو يشرب شرابا أو يلبس لباساً ونيته من هذا الحلال الذي أخذ به أن يستخرج معنى الشكر لله من قلبه أن يمتثل أمر الله بأنه حافظ على الأمانة، هذا ماذا أراد من الطعام واللباس والشراب ما مراده هنا هو مريد؟ أراد الله أراد رضوانه؟، وشخص آخر أكل نفس الأكلة الّتي أكلها، نفس اللباس نفس مستوى السكن الذي يسكن فيه الآخر لكن ما مراده من الطعام من اللباس من البيت أراد بذلك مجرد التمتع ليس له هدف آخر بل أن يعيش هذه الدنيا.هو مقصور في نظرته هو أن يتمتع ..
س: ما الخطورة.. ما الإشكال في أن الإنسان يريد أن يتمتع من هذه الحياة فقط؟
ليس الإشكال بأن يتمتع بل الإشكال أن يعيش يفرط في أمانة الهدف الذي خلق من أجله وأصبح ليس له هدف من هذه الحياة إلا أن يتمتع بالدنيا، ما الضرر … الضرر ما ذكرناه اليوم من الخراب الذي يعيشه العالم من إهدار لمقدرات الأرض التي نعيشها من تباغض من تحاسد من حرب مرجعه سببه أساسه أن الذين تناولوا الدنيا تناولوها فقط من أجل أنفسهم.. النفس فيها مشكلة فيها عيب خطير أن الإنسان إذا تعامل مع متع النفس ومطالبها فقط لأنه يستجيب لما تريده النفس يقع في مشكلتين كبيرتين:
المشكلة الأولى أن مرادات النفس لا تنتهي هي تطلب شيء أعطيتها فقط لأنها طلبت امتثالاً لأمرها ما الذي يترتب على ذلك أن لن تكتفي طلبت شيء ثاني أعطيتها الثاني تطلب الشيء الثالث أعطيتها الثالث طلبت الرابع ثم تصل إلى مستوى تفقد فيه هي التمتع في الشيء الذي كانت تتلذذ به فتطلب شيء خارج عن إطار المعقول خارجاً عن إطار المرضي تطلب شيئا خارقا لإطار العادة..
ما الّذي يجعل بعض النّاس يخرج إلى التّدليس؟ إلى الغشّ إلى الرّبا. إلى المخالفة؟ إلى الإساءة إلى الآخرين إلى ظلم النّاس لأجل أن يحصّل المال؟ ما الّذي يجعله يفعل ذلك؟ استجابة إلى أنّ نفسه اشتهت زيادة فهو يستجيب إلى شهوة نفسه إمّا في طعام وشراب ولباس أو التّكاثر في المال ” ألهاكم التّكاثر ” الرغبة في الزيادة، فالمشكلة أنك مهما حاولت ترضيها لا ترضى مهما حاولت أن تمتعها تطلب المزيد.. إن الهوى ما تولى يعم أو يصمِ ..
المشكلة الثانية في النفس أنك كلما أردت أن ترضيها سعدت سعادة مؤقتة ثم بعد ذلك تضمحل هذه السعادة مباشرة وتنتهي .. تنتهي في الدنيا قبل الآخرة ، ويأتي وقت وتنتهي لأنها تعلقت في سعادة أخرى دائماً السعادة في النفس سراب لا منتهى لها لا تصل إلى حقيقة ، بينما الذي ينتقل من مراد الدنيا إما أن يكون مريدا للّدنيا أو أن يكون مريدا إلى الآخرة مريداً لله عز وجل، يتمتّع، هو يتمتّع، يأكل طعاما؟ يأكل طعاما… وأنواعا من الطعام. يلبس من أحسن ما يلبسه النّاس إن تيسّر أن يلبس، يركب المركوب الحسن.. يركب… يسكن المسكن الحسن… يسكن..
ما الفرق بين الاثنين؟
1ـ الفرق في الدّنيا أنّ هذا سيتمتّع متعة حقيقيّة لأنّ نفسه عندما تأخذ حظّها من المتعة إذا تلذذ بالطعام هذا بالأكل الذي أكله قال الحمد لله الذي رزقني هذا الطعام شهد المنة لله فوصل أنسه وفرحه ومتعته بالله المتعة باقية عنده ما انتهت في حياته وبعد حياته في الآخرة ستبقى سيرى ثمرة الحمد عند وقوفه بين يدي الله انك حمدتني وشكرتني وذكرتني هذا ثوابك (لأن شكرتم لأزيدنّكم)،سيتمتع في الدنيا وسيتمتّع في الآخرة .
2ـ أنه سيكون مالكاً لزمام نفسه ولن يكون مملوكاً لنفسه تنبه لهذه المسألة الذي يعيش وهو يتناول متع الدنيا المباحة ولكن وهو مريد لله وليس للدنيا يعيش قوياً بالله مالكاً لنفسه وليس مملوكاً لها ، لو بدأت النفس تزيغ تطلب شيء ليس له لا يجوز أن يأخذه ليس من ملكه ليس من قدره ليس من استطاعته وبدأت تزين له طيب ممكن تسرق ممكن تغش تخدع يقول لا هذا لا يرضي الله أنا مريد الله أنا ما أخذت المسألة لمجرد متعة أنا أخذتها طلباً لرضوان الله وهذا لا يرضي الله إذاً لا أعطيك هذا يبدأ يقول لنفسه لا وإذا قال لنفسه لا خضعت هذه النفس تنازع في البداية." انتهى كلام الجفري.
نعود إلى موضوع الرحلة ... ثم اتصلت بالأخ احمد الشافعي وهو الذي كان هدفنا الرئيسي من الزيارة لأنني علمت أنه مريض ... ثم حضر إلى الاستراحة حوالي الساعة الثالثة عصراً ... وكان اللقاء بعد مدة حوالي خمسة أعوام ... فاعتصرني بين ذراعيه من شدة الشوق ثم اصطحبني إلى منزله بمنطقة عين شمس وحضر الدكتور يحي حوالي الساعة العاشرة مساءً وتحدثنا كثيراً في معنى الأخوة في الله ، وأنَّ هذه الأخوة تظل متصلة طالما أنها خالصة لوجه الله تعالى ... اتفقنا جميعاً بعد أن اتصل المهندس سيد إسماعيل ـ رئيس مجلس مدينة نصر النوبة بأسوان فهو في رحلة علاجية بالقاهرة ( شفاه الله وعافاه ) ، واتفقنا على أنْ نذهب إلى الإسماعيلية لزيارة أخينا إبراهيم عبد الرحمن ... ضربنا موعداً على نتجمع حوالي الساعة التاسعة من صباح يوم الأربعاء بموقف المرج الجديدة ، لنستقل سيارة من هناك ، حضر المهندس / سيد إسماعيل والأخ يحي واعتذر كل من الأخوة فؤاد محرم ومحمد أبو المجد الصحفي بجريدة الأحرار وأحمد الشافعي لظروف عملهم ... ركبنا السيارة في طريقنا إلى مدينة الإسماعيلية الباسلة ... وأثناء هذه الرحلة والتي استغرقت حوالي الساعة وخمس وأربعون دقيقة ؛ اختلجت بداخلي مشاعر وأحاسيس كثيرة ، وتذكرت أخي إبراهيم منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاماً ، وصحبته لنا وتعليمه لنا وتفانيه لخدمة هؤلاء الإخوان الذين جمعهم على حب الله ورسوله فضيلة مولانا سليل بيت النبوة الشيخ أحمد أبو سليم حفظه الله ... ومن المواقف التي لا تغيب عني أبداً ذات ليلة كنت عنده في زيارة بمنزله الذي يقع بمنطقة السد العالي قبل أن ينقل إلى الإسماعيلية ، ولا يبعد منزله عن منزلنا سوى بضعة مترات ( 250 متر تقريباً ) ، ظللنا الليلة بطولها هو يوصلني وأوصله جيئة وروحة حتى الثالثة صباحاً أو عند صلاة الفجر ، وما أجمل هذه الأيام حين نذهب لحضور مجلس الذكر بمدينة أسوان ونستقل القطار من السد العالي بصحبة مجموعة من الإخوان في الله ومرشدنا وقائدنا آنذاك إبراهيم عبد الرحمن ، ويبدأ الأخوان في إنشاد المدائح النبوية بهذه الأصوات الملائكية والتي وكأنها أهازيج من السماء تنبعث من هذه القلوب المحبة الصادقة ، وهذه النفوس التي لا ترضى بغير الحب في الله بديلاً ، وفعلاً نشعر بأن ما نحن فيه من الوصل والرضا لو علمه الملوك لحاربونا عليه بالسيوف ـ كما يقولون ـ فمن ذاق عرف ، كنا حين نلتقي يحتضن أحدنا الآخر وكأنه لم يره منذ أعوام ، وإن تركه لمدة يوم واحد فقط ، كانت هذه القلوب العامرة بذكر الله والتي لا يشغلها أي أغيار من حطام الدنيا تئن بالشوق وتعتصر من الوجد ، وفي اشتياق دائم ، لايحركها إلا ما يرضي الله وفي محبته سبحانه ، لا يعطلها أي طلب من منصب أو مال ... اختلطت هذه الذكريات في داخلي بين أصوات السيارات المجنونة على الطريق ، وهؤلاء الذين يسرعون في كل وقت وكأنَّ وراءهم من يلاحقهم ، وبين أصوات " عجلات " السيارة وأصوات الصمت الذي خيم على من بالسيارة ، انتبهت أننا قد وصلنا الإسماعيلية . ركبنا سيارة أجرة ( تاكسي) لنصل إلى منزل أخينا إبراهيم عبد الرحمن بمنطقة حي الشيخ زايد ؛ دارت في نفسي أشياء كثيرة كيف يكون اللقاء بعد هذه المدة الطويلة وكيف يكون ... ثم وصلنا أمام المنزل ... وضع دكتور يحي إصبعه على جرس الباب ... ثم خرج الأخ إبراهيم ولم نصدق أنفسنا اننا التقينا مرة أخرى ـ وكعادته دائما بحنانه ورقته المعهودة وبشاشته ، كان هذا اللقاء أخذ يحتضن كل منا ودموعنا جميعاً تنهمر كأنها شلالاً من المياه ... ما أجمل هذه الأخوة ... وما أعظمها ، وما أطيب ما كان لله ... يا ألله ... يا ألله ... اللهم يا رب العالمين اجمعنا على الخير دائماً وعلى المحبة من أجلك ... ما هذه الدموع والتي تجري من مآقيها وكأنها حبات من اللؤلؤ والمرجان .. كأنها أنهاراً ... موصولة بنهر الحب الأعظم سيدي وشيخي من علمنا هذا الحب السيد أحمد أبو سليم ، أخي ... أهذه دموع اللقاء أم دموع الحب في الله ؟؟ أم ماذا ؟؟ أم هي دموع بكت عيونها من فرط هذا الحب في الله ... نعم !! هي كل ذلك شوق ووجد ولوعة وهيام ، والتي بشرنا به المعصوم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم " عين بكت لا تمسها النار بكت من خشية الله " نعم !! فقد اخرج الإمام الهيثمي في مجمع الزوائد عن سيدنا أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم : "عينان لا تمسهما النار أبدا عين باتت ثكلى في سبيل الله وعين بكت من خشية الله " وفي رواية "عينان لا تمسهما النار : عين فاضت من خشية الله ، وعين باتت تحرس في سبيل الله " وها هي هذه العيون تدمع من شدة الحب في الله ؛ أليست من باب الخشية أيضاً ؟ نعم !! إنها حباً في الله وحباً في رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وكما عبَّرَ أحد المحبين عن هذه القلوب فقال :
جمعتنا على حبيب القلوب *** سابقات الحسنى بسر الغيوب
يا قلوباً بحب طه أنابـــــت *** فزتموا بالرضا وبالمــطلوب
ساد الصمت بعد هذا اللقاء الحار وكأن على رؤوسنا الطير ... أقبل ابنه الأصغر "على" والذي لم أره منذ أن كان عمره سنتان ... أصبح رجلاً يافعاً باسم الله ما شاء الله. مكثنا بمنزل الأخ إبراهيم باقي اليوم بعد أن قدم لنا الإفطار ثم قدم لنا الغداء وجبة من أسماك البوري بعد أن اخترناها ، وحضر ابنه عبد الرحمن بسيارته ، وقبيل صلاة المغرب استودعناه في الله ورسوله ، ثم أوصلنا عبد الرحمن إلى موقف السيارات للعودة إلى القاهرة ... فكانت هذه الرحلة حباً في الله وحباً في رسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم .
اليوم الخميس الموافق 23 من شهر فبراير 2012 م
استيقظت ـ بحول الله ـ وقوته مبكراً كعادتي والحمد لله عليها نعمة ، وعزمت على الذهاب لمقابلة الأخ المهندس سيد إسماعيل كما تواعدنا ، على نلتقي بإذن الله تعالى العاشرة صباحاً بجوار شارع قصر العيني ... استقليت المترو من محطة فيصل بعد وصولي من الاستراحة عن طريق " التكتك " والذي أصبح أمراً واقعاً وخاصة في منطقة فيصل بالقاهرة ... نزلت بمحطة التحرير كي أستقل المترو اتجاه حلوان حتى أصل إلى محطة سعد زغلول ، ولكني استقليت المترو في الاتجاه المعاكس وأدركت ذلك فنزلت بمحطة جمال عبد الناصر ...وكأنني أتذكر هذا الرجل رغماً عني .. فسرحت بذاكرتي للوراء ، وما عشته وعاشته الأمة العربية كلها أيام هذا الزعيم خالد الذكر ، من عزة وكرامة وتذكرت قولته الشهيرة : " ارفع رأسك يا أخي فقد مضى عهد الاستبداد " وجاءت ثورة 25 يناير لتؤكد هذا المعنى فقد كان شعارها الرئيسي " ارفع راسك يا أخي فأنت مصري " والعيش والحرية والعدالة ... فقد عاش هذا الرجل الزعيم جمال عبد الناصر ومات وهو يميل إلى الشعب وإل جانب الفقراء ، وأتذكر أيام النكسة ، وأنه لم يرتفع سعر أي سلعة والذي كان راتبه خمسة جنيهات يكفيه مؤونة شهره بالعزة والكرامة ... تذكرت أيام كنا بالثانوية العامة ونحن ننتمي بكل ذرة فينا لهذا البلد ... ثم ضاعت الكرامة ... وأصبح اللصوص هم السادة والذين يطبلون هم الذين يحكمون وعلى جميع المستويات لمدة أربعين عاماً ، بعد أن بدأها السادات في عام 1975بالانفتاح الاستهلاكي ، فتشرد العمال ، واستشرت الرشوة والفساد والمحسوبية ...
رجعت إلى محطة التحرير مرة أخرى أو عكس الاتجاه حتى أصل إلى محطة سعد زغلول وأتقابل مع ... وبعد جهد واتصالات ، تقابلنا بشارع قصر العيني ... وجلسنا لتناول الشاي بكافيتريا بالشارع في انتظار السائق ليقوم بتنسيق أعماله .
ثم ذهبنا لزيارة سيدتنا زينب رضي الله عنها .. جددنا الوضوء ثم دخلنا المقام بعد أن أدينا صلاة الظهر ... وكانت هذه الزيارة بعد شوق أكثر من ثلاث سنوات . ثم ذهبنا إلى زيارة السيدة نفيسة رضي الله عنها وتقابلنا مع أخينا العربي ... ودائما أثناء زيارتي للسيدة نفيسة أتقابل معه فهو من التجار بنفس المنطقة ..ز وبعد الزيارة أصر ـ كعادته ـ أن يكرمنا بتناول الغداء ... وفعلاً ذهبنا معه وتناولنا طعام الغداء ... وكان طعاماً فاخراً وحاول معنا بكرمه أن نظل معه ، فاعتذرنا له ، ذهبنا إلى مولانا ولي النعم سبط الحبيب صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم سيدنا الحسين رضي الله عنه ... وهناك تقابلنا مع السيد / ربيع ابو سليم ومجموعة من الإخوان من القاهرة ثم صلينا المغرب ... وذهبت على الاستراحة بفيصل ... وكانت هذه انطباعاتي عن هذه الرحلة لأخٍ في الله ... زادكم الله حباً في الله وأكرمكم الله بتحريك السواكن والمواجيد ...

» أقوال علماء المذاهب الأربعة في حكم زيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم:
» زيارة ... لفضيلة مولانا سيدي الشيخ أحمد أبوسليم (حفظه الله تعالى)
» رسول الله علمنا يمين الله سلمنا .. أحمد علاء والأحباب
» الشرف المؤبد لآل محمد صلى الله عليه وسلم للقاضي يوسف النبهاني رضي الله عنه
» يارسول الله أجرنا .. الغوث رسول الله ..alamgad1