الحلقة الأخيرة من رحلة داخل الصحراء الغربية

الحلقة الأخيرة من رحلة داخل الصحراء الغربية

أعزائي وأحبتي في الله
أستأنف معكم الحلقة الأخيرة من هذه الرحلة ... والتي أسميتها حين كتبتها في وقتها "رحلةٌ إلى الله " ولكني عدلت عن التسمية حين وجدت رغبة من بعض الإخوان في الله لنشرها بالمنتدى ....
بعد أن جاءتنا " الجرارات " ... جاء معها أهل البلد" الرزيقات " ( وهي قرية تابعة لمركز أرمنت غربي النيل ) ومنذ أن رأيناهم على بُعد حوالي 2 كم ، وهم ينادون علينا وننادي عليهم مهللين بالتكبير والتهليل والفرح والبشر رافعين أيدينا جميعاً بالحمد والثناء لله سبحانه وتعالى ، ونقول وصل المدد والعون ، وهم يفتحون أذرعتهم وأيديهم لنا قبل وصولهم ، ونزلوا من فوق الجرار ـ وكأنّ الجرار يبطئ بالنسبة إليهم ـ وأخذوا يلهثون حتى وصلوا إلينا ، فبدأوا بالسيد الفاضل ، وقبل وصولهم للشيخ بثوانٍ بسيطة وقف الشيخ ناهضاً معنا أيضاً وأمسك بما تبقى من المياه التي معنا ولا تزيد عننصف كوب ماء ـ من ماء الراديتر وقال : " عن إذنكم يا ولاد أشرب شوية المية دول "وشربهم ، فلم نلق بالاً في ذلك الوقت ،ولم يخطر ببالنا لماذا يشرب الشيخ بواقي هذه المياه الصدأة والمختلطة بالزيت والصدأ ؟؟ رغُم وصول المياه العذبة النظيفة مع أهل البلد ؟؟ لم ندرك شيئاً في ذلك الوقت ... صبَّ أهل البلد المياه فوق رأس الشيخ وهم يهللون ويكبرون ، تسبقهم دموعهم وأحضانهم لنا جميعاً ...
أخذنا المياه منهم مباشرة وبكثرة ـ رغم تحذيرات الأطباء لهم والعلم والتجربة في هذا الشأن ـ إذ أنه في مثل هذه الحالات وعدم حصولنا عن المياه طوال هذه المدة في حرارة الجو ، فكان من المفترض أن نبلل شفاهنا حتى لا تحدث لنا أية مضاعفات ، ولكن من فضل الله تعالى علينا لم يحدث شيء ... وفي هذه اللحظات المفعمة بالفرح وأمل العودة ، تذكرنا محمود وعبد الباسط إخواننا الذين سبقونا من الليل ، قبل أن ينزل السائق من الجرار الثاني ، فذهب مجموعة من الذين أتوا من أهل البلد وقلنا لهم ألحقوهم فإنهم قد مشوا أمامنا بفترة ولا نعرف عنهما شيئاً ..
ذهب الجرار مسرعاً .
وكانت لهما قصة أخرى ، فقد كانوا يبعدون عنا بحوالي عشرة كيلوا مترات ، واقتربوا من البراميل ، ولا تبعد عنهما سوى خطوات .. ولكن لم يستطيعوا أن يصلا إليها رغم رؤيتهما لها بالعين المجردة ، وكل ما حدث لنا حدث مثله لهما... من ذهاب قواهما ـ وخاصة أنهما قد ساروا أكثر منا ب 10 كم ـ واستندا إلى ظل تل مرتفع ينتظرون الموت في أي لحظة ، وكان قد نفد صبرهما وأخذ الحاج محمود الطيري يتحدث بأنه لا توجد أية كرامات للأولياء كما يقولون ، فقال له عبد الباسط : " يا أخي مدد يا مولانا أبوسليم " ( والمقصود به هو الشيخ محمد أبوسليم والد الشيخ أحمد ( ساكن ومدفون ومقامه بكوم امبو ) ... وتحدث محمود بأنه لا مدد لأي شخص وأثناء حديثهما سمعا صوت موتور الجرار ، فصرخا معاً : " مدد يا أبوسليم " وجاء بهما الجرار وكانا في مثل حالتنا تماماً .
جلسنا في مكاننا هذا حوالي ساعة من الخامسة حتى السادسة مساءً وبذلك نكون قد مكثنا في الصحراء بلا ماء أو طعام اكثر من 36 ساعة ... ما أجمل طعم هذا الماء الذي أحضروه معهم !!! ما أجمل طعم اللقمة بدون أية إضافة من أي إدام !!! ما أجمل الأكل !!! فإنَّ نعمة الله تجلت لنا في هذه اللحظات ... فقد جلسنا نستظل في ظل الجرار ؛ ولكن الحرمان الذي عشناه جعلني أستمتع بهذه الظلالوكأنها شجرة وارفة في صحراء جرداء ، جلسنا نستمتع بشرب الماء والطعام وهذه الأخوة والتي تجلت فيما رُوي عن هؤلاء الرجال الذين تحركوا لنجدتنا بوازع منهم ، وكأنَّ نداءً خفياً نادى عليهم في أنفسهم أن يظلوا يبحثوا عنا حتى يعثروا علينا .
هذا كل ما حدث في هذه الرحلة طوال الساعات الطويلة ابتداءً من الساعة الخامسة من صباح يوم الأحد الموافق 2 أغسطس 1992 إلى الساعة الخامسة من مساء يوم الاثنين الموافق 3 من أغسطس 1992 . ولا ندري ماذا حدث بالنسبة للأطراف الأخرى ... خاصة أهالي نجع أولاد الشيخ بالرزيقات والإخوان بالخارجة والذين كان من الواجب أن يتحركوا ويبدأوا السعي والتحقق من وصولنا إلى أسوان أو الرزيقات ولكن على خلاف ما كان متوقعاً ، فكما سمعنا القصة من أبطالها الذين تعايشوا معها ابتداءً من الواحدة ظهر يوم الأحد 2 /8 /1992 اتصل الشيخ عمر أبو سليم شقيق الشيخ أحمد الأكبر بالقاهرة والآسكندرية ومعظم المدن المحتمل تواجدنا فيها فأبلغوه من القاهرة أن الشيخ أحمد والإخوان سافروا بالسيارة إلى أسوان من يومين ...
وفي هذا قصة أخرى .

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

(تمت " والله يقول الحق وهو يهدي السبيل) ")

» رحلة داخل الصحراء الغربية من مصر المحروسة الحلقة الثانية
» رحلة داخل الصحراء الغربية من مصر المحروسة الحلقة الثالثة
» رحلة داخل الصحراء الغربية من مصر المحروسة الحلقة الرابعة
» الدروس المستفادة من رحلة الصحراء ؟ (2)
» قصيدة رحلة ... تأليف صلاح عباس النجار