رحلة داخل الصحراء الغربية من مصر المحروسة الحلقة الثالثة

اقتباس :: رحلة داخل الصحراء الغربية من مصر المحروسة الحلقة الثالثة

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا
محمد الهادي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين .
أحبتي في الله وفي حب رسول الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أستأنف معكم الحلقة الثالثة من ... رحلة داخل الصحراء ...
نزلنا جميعاً من السيارة حتى نتمكن من من تحريكها من هذه الرمال ـ والتي لا تبدو أبداً أرض " غرز " وتبدو أنها أرض صلبة ، ولكن دون جدوى ، فقد باءت جميع محاولاتنا بالفشل ، فقال الشيخ . " حافظوا على المياه التي معكم " ولم يبق معنا سوى " جركل " السيارة المخلوط بالزيت وبعضاً من بقايا الشاى ؛ فأخذ كل واحد منا ، رشفة من الشاى ، ثمَّ واصلنا المحاولة لإنقاذ السيارة من الرمال . بدأنا نُحضر ونبحث عن بعض الأحجار الطويلة والعريضة لوضعها تحت عجلات السيارة ، ولكن دون جدوى ... وبدأنا في المحاولات مرة أخرى ، وكان التعب قد أحلَّ بنا جميعاً ، نظرنا في ساعتنا ففوجئنا بأنها الساعة الواحدة ظهراً ، يا أالله ... استغرقنا كل هذا الوقت ، من التاسعة صباحاً حتى الواحدة ظهراً ، ونحن نحاول فيإخراج السيارة من الرمال ـ والتي تبدو لنا صلبة ـ وبعد أن يئسنا جميعاً من المحاولات ، قلت للشيخ بصوت غير مسموع : نحن تعبنا يا مولانا .. كفاية كدا ... " وركبت السيارة بسرعة وقلت لجمال السائق أن يذهب بالسيارة ويحاول مرة أخرى ... فقال جمال للشيخ : " أمشي يا مولانا ؟" أي أن يحاول إخراج السيارة ... وانتفض الشيخ غاضباً وقال له بصوت حاد " وأنا مالي يا أخي " وهذه الكلمة لها مغزاها وسنفهما أثناء الرحلة .. ثم خرجت السيارة بأعجوبة بلا محاولات منا ... ومضينا في طريقنا وبعد حوالي 500 متر " نامت " منا فردة كاوتش" فأحضرنا الأحجار لتثبيت السيارة ، وتم تبديل الكاوتش بالاحتاياطي ، واستغرق هذا العمل حوالي ساعة كاملة .
ومضينا في طريقنا مرة اخرى ، وبعد حوالي 5 كم فقط من المكان الأول ، فإذا بنا نجد أمامنا بحراً من الرمال المتحركة ليس لها أولاً من آخر ـ وكلنا وكأنَّ على رؤوسنا الطير لم ننبث ببنت شفة " لجمال " السائق مع أننا نعلم بمجرد نظرتنا الأولى إلى هذه الرمال ـ أننا سوف نغرق بالسيارة فيها ـ ولا نستطيع تحريك السيارة أو تحريك انفسنا من هذه الرمال ؛ وفعلاً دخلت السيارة إلى آخر عجلاتها في هذا البحر الرملي ، وكأنه يحتضنها أو يُنبيء عمّا يُخبؤه القدر لنا .
بدأنا محاولاتنا من جديد لإخراج السيارة من الرمال ، ولكن هذه المرة ـ وقد خارت قوانا تماماً ـ لم نستطع أنْ نحرك أي جزء مكن السيارة ، أحضرنا بعض الأحجار من التلال القريبة دون فائدة تُذكر ، وأحسسنا جميعاً بالتعب والإرهاق ، وكانت حوالي الساعة الثالثة والنصف عصراً ، وقلنا ما رأيكم أن ندير الراديو أو التلفزيون ـ كان بالسيارة جهاز تليفزيون صغير ـ حتى نعرففي مكان نحن ، وهنا أسقط في أيدينا ... لم نعثر على أية إشارة من الراديو أو التلفزيون تدل علة أننا قريبين من أي مدينة او قرية ، قلنا للشيخ بعد أن يئسنا وتعبنا من محاولة تحريك السيارة من مكانها : " كفاية يا مولانا فلنحاول أن نستريح ، ثم نستأنف تحريك السيارة مرة أخرى بعد فترة " . فقال : " كما تريدون ، وجلسنا بداخل السيارة حوالي ساعة ، ولا نسمع سوى صوت أنفاسنا تلهث من شدة الحر ، إنَّ درجة الحرارة في هذه الساعات شديدة جداً ، ونحن نقع بين أكثر من جبل ، وكنا قد حاولنا استكشاف المنطقة ، فذهب الحاج محمود الطيري يتوغل داخل الوادي .. ولكن .. الشيخ أرجعه بعد حوالي نصف كم ، وذهبت فوق الجبل وكان معي الأخ سيد من الناحية ـ الشرقية ـ في اعتقادنا ولكن ودون جدوى ؛ ولم نر إلا التلال في الأفق البعيد من جميع الاتجاهات .
أفقنا بعد غفوة داخل السيارة وأحسسنا أننا فقدنا الطريق وضللناه ، ولم نتبين الاتجاهات شرق أو غرب أو جنوب أو شمال . وصرحت بأننا ضللنا الطريق ، وأننا حالياً نتجه نحو الجيزة وليس الرزيقات، وأنَّ هذا هو طريق " رالي الفراعنة " والذي نراه في التلفزيون " أثناءالمسابقات السنوية السنوية التي تجرى كل عام . وأنه ـ هذا كلامي وما كنتأعتقد ـ كان من الواجب علينا أن نتجه ناحية الشرق وهي الجهة المقابلة للشمس ،وأثناء هذا اليأس منا وأيقنا أننا ضللنا الطريق ؛ اقترح الأخ عبد الباسط أن نعود أدراجنا مرة أخرى في طريق عودتنا ـ إلى الوادي الجديد ـ حتى نصلإلى البراميل ، وهي العلامات الموضوعة على جابي الطريق بعد أن انتهي الأسفلت ، وكان في ظننا أنها قريبة وقدرناها ب 20 كم ، فأجمعنا أن نمشي هذه المسافة بالأقدام ، ولمّا ينتاب القلق لأخواننا بالخارجة يحضروا بالسيارات فيرونا في أول طريق البراميل قبل أن ننحرف جهة اليسار داخل الصحراء والجبال .

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

كتب الأخ عبد الباسط أسمائنا جميعا يفيد فيها أننا ضللنا الطريق أثناء اتجاهنا إلى الرزيقات وتم لصقها فوق الواجهة الزجاج للسيارة " البربريز " وبدأنا في السير على الأقدام للخلف وبعد حوالي 500متر قال الشيخ : " أفرغوا رادتير السيارة في " جركل " حتى يساعد في الإبقاء علينا أحياء ... بدأنا المسير وكانت قوانا جميعاً قد خارت تماماً بعد هذه الجهود التي بذلناها في محاولات إخراج السيارة من الركمال مرتين ، ولم يتبق معنا من الماء سوى نصف " جركل " والمياه التي أفرغناها من " رادتير " السيارة ... بدأنا في المسير حوالي الساعة الخامسة مساءً ... وفي الساعة السادسة استظلينا بجبل به شبه مغارة ، جلسنا فيها حوالي نصف ساعة ، ثم استأنفنا السير ... وبعد حوالي ساعة بدأت الشمس في الغروب فوجدنا مكاناً بالقرب من تل صغير جلسنا فيه ... ولفت انتباهي ونظري في هذه اللحظات ـ لحظة غروب الشمس ـ فهذه أول مرة أراها تختبئ في الأفق البعيد وتهرب رويداً رويداً ... وبدأت تخبو تماما والقرص الذهبي الذي كان يملأ المكان ، بدأ يختبئ ، واحتل زحف الظلام علينا مكانها ... فاقترح الأخ محمود الطيري وعبد الباسط أن يسبقونا في السير ونحن نقضي الليل في مكاننا الذي نحن فيه ، وفي الصباح الباكر نبدأ السير مرة أخرى ... ليفعل الله أمراً مفعولاً ... وكانت هذه الليلة الليلاء كما يقولون ورأينا فيها العجب العجاب ... فحتى هذه اللحظة لم ننتبه الانتباه الواجب أن معنا الشيخ وهو الذي تربينا على يده بأن نستعد للقاء الله .... وبدأ الظلام يخيم علي المكان كله ... والصحراء تغطت بالظلمة الدامسة ...
وإلى لقاء قادمٍ بإذن الله تعالى

» رحلة داخل الصحراء الغربية من مصر المحروسة الحلقة الثانية
» رحلة داخل الصحراء الغربية من مصر المحروسة الحلقة الرابعة
» الحلقة الأخيرة من رحلة داخل الصحراء الغربية
» الدروس المستفادة من رحلة الصحراء ؟ (2)
» قصيدة رحلة ... تأليف صلاح عباس النجار