(1 )
|
لا تصالحْ!
|
..ولو منحوك الذهب
|
أترى حين أفقأ عينيك
|
ثم أثبت جوهرتين مكانهما..
|
هل ترى..؟
|
هي أشياء لا تشترى..:
|
ذكريات الطفولة بين أخيك وبينك،
|
حسُّكما ـ فجأةً ـ بالرجولةِ،
|
هذا الحياء الذي يكبت الشوق.. حين تعانقُهُ،
|
الصمتُ ـ مبتسمين ـ لتأنيب أمكما..
|
وكأنكما
|
ما تزالان طفلين!
|
تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:
|
أنَّ سيفانِ سيفَكَ..
|
صوتانِ صوتَكَ
|
أنك إن متَّ:
|
للبيت ربٌّ
|
وللطفل أبْ
|
هل يصير دمي ـ بين عينيك ـ ماءً؟
|
أتنسى ردائي الملطَّخَ بالدماء..
|
تلبس ـ فوق دمائي ـ ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟
|
إنها الحربُ!
|
قد تثقل القلبَ..
|
لكن خلفك عار العرب
|
لا تصالحْ..
|
ولا تتوخَّ الهرب!
|
(2)
|
لا تصالح على الدم.. حتى بدم!
|
لا تصالح! ولو قيل رأس برأسٍ
|
أكلُّ الرؤوس سواءٌ؟
|
أقلب الغريب كقلب أخيك؟!
|
أعيناه عينا أخيك؟!
|
وهل تتساوى يدٌ.. سيفها كان لك
|
بيدٍ سيفها أثْكَلك؟
|
سيقولون:
|
جئناك كي تحقن الدم..
|
جئناك. كن ـ يا أميرـ الحكم
|
سيقولون:
|
ها نحن أبناء عم.
|
قل لهم: إنهم لم يراعوا العمومة فيمن هلك
|
واغرس السيفَ في جبهة الصحراء
|
إلى أن يجيب العدم
|
إنني كنت لك
|
فارسًا،
|
وأخًا،
|
وأبًا،
|
ومَلِك!
|
(3)
|
لا تصالح ..
|
ولو حرمتك الرقاد
|
صرخاتُ الندامة
|
وتذكَّر..
|
( إذا لان قلبك للنسوة اللابسات السواد ولأطفالهن الذين تخاصمهم الابتسامة)
|
أن بنتَ أخيك "اليمامة"
|
زهرةٌ تتسربل ـ في سنوات الصبا ـ
|
بثياب الحداد
|
كنتُ، إن عدتُ:
|
تعدو على دَرَجِ القصر،
|
تمسك ساقيَّ عند نزولي..
|
فأرفعها ـ وهي ضاحكةٌ ـ
|
فوق ظهر الجواد
|
ها هي الآن.. صامتةٌ
|
حرمتها يدُ الغدر:
|
من كلمات أبيها،
|
ارتداءِ الثياب الجديدةِ
|
من أن يكون لها ـ ذات يوم ـ أخٌ!
|
من أبٍ يتبسَّم في عرسها..
|
وتعود إليه إذا الزوجُ أغضبها..
|
وإذا زارها.. يتسابق أحفادُه نحو أحضانه،
|
لينالوا الهدايا..
|
ويلهوا بلحيته (وهو مستسلمٌ)
|
ويشدُّوا العمامة..
|
لا تصالح!
|
فما ذنب تلك اليمامة
|
لترى العشَّ محترقًا.. فجأةً،
|
وهي تجلس فوق الرماد؟!
|
(4)
|
لا تصالح
|
ولو توَّجوك بتاج الإمارة
|
كيف تخطو على جثة ابن أبيكَ..؟
|
وكيف تصير المليكَ..
|
على أوجهِ البهجة المستعارة؟
|
كيف تنظر في يد من صافحوك..
|
فلا تبصر الدم..
|
في كل كف؟
|
إن سهمًا أتاني من الخلف..
|
سوف يجيئك من ألف خلف
|
فالدم ـ الآن ـ صار وسامًا وشارة
|
لا تصالح،
|
ولو توَّجوك بتاج الإمارة
|
إن عرشَك: سيفٌ
|
وسيفك: زيفٌ
|
إذا لم تزنْ ـ بذؤابته ـ لحظاتِ الشرف
|
واستطبت ـ الترف
|
(5)
|
لا تصالح
|
ولو قال من مال عند الصدامْ
|
".. ما بنا طاقة لامتشاق الحسام.."
|
عندما يملأ الحق قلبك:
|
تندلع النار إن تتنفَّسْ
|
ولسانُ الخيانة يخرس
|
لا تصالح
|
ولو قيل ما قيل من كلمات السلام
|
كيف تستنشق الرئتان النسيم المدنَّس؟
|
كيف تنظر في عيني امرأة..
|
أنت تعرف أنك لا تستطيع حمايتها؟
|
كيف تصبح فارسها في الغرام؟
|
كيف ترجو غدًا.. لوليد ينام
|
-كيف تحلم أو تتغنى بمستقبلٍ لغلام
|
وهو يكبر ـ بين يديك ـ بقلب مُنكَّس؟
|
لا تصالح
|
ولا تقتسم مع من قتلوك الطعام
|
وارْوِ قلبك بالدم..
|
واروِ التراب المقدَّس..
|
واروِ أسلافَكَ الراقدين..
|
إلى أن تردَّ عليك العظام!
|
(6)
|
لا تصالح
|
ولو ناشدتك القبيلة
|
باسم حزن "الجليلة"
|
أن تسوق الدهاءَ
|
وتُبدي ـ لمن قصدوك ـ القبول
|
سيقولون:
|
ها أنت تطلب ثأرًا يطول
|
فخذ ـ الآن ـ ما تستطيع:
|
قليلاً من الحق..
|
في هذه السنوات القليلة
|
إنه ليس ثأرك وحدك،
|
لكنه ثأر جيلٍ فجيل
|
وغدًا..
|
سوف يولد من يلبس الدرع كاملةً،
|
يوقد النار شاملةً،
|
يطلب الثأرَ،
|
يستولد الحقَّ،
|
من أَضْلُع المستحيل
|
لا تصالح
|
ولو قيل إن التصالح حيلة
|
إنه الثأرُ
|
تبهتُ شعلته في الضلوع..
|
إذا ما توالت عليها الفصول..
|
ثم تبقى يد العار مرسومة (بأصابعها الخمس)
|
فوق الجباهِ الذليلة!
|
(7)
|
لا تصالحْ، ولو حذَّرتْك النجوم
|
ورمى لك كهَّانُها بالنبأ..
|
كنت أغفر لو أنني متُّ..
|
ما بين خيط الصواب وخيط الخطأ.
|
لم أكن غازيًا،
|
لم أكن أتسلل قرب مضاربهم
|
لم أمد يدًا لثمار الكروم
|
لم أمد يدًا لثمار الكروم
|
أرض بستانِهم لم أطأ
|
لم يصح قاتلي بي: "انتبه"!
|
كان يمشي معي..
|
ثم صافحني..
|
ثم سار قليلاً
|
ولكنه في الغصون اختبأ!
|
فجأةً:
|
ثقبتني قشعريرة بين ضلعين..
|
واهتزَّ قلبي ـ كفقاعة ـ وانفثأ!
|
وتحاملتُ، حتى احتملت على ساعديَّ
|
فرأيتُ: ابن عمي الزنيم
|
واقفًا يتشفَّى بوجه لئيم
|
لم يكن في يدي حربةٌ
|
أو سلاح قديم،
|
لم يكن غير غيظي الذي يتشكَّى الظمأ
|
(8)
|
لا تصالحُ..
|
إلى أن يعود الوجود لدورته الدائرة:
|
النجوم.. لميقاتها
|
والطيور.. لأصواتها
|
والرمال.. لذراتها
|
والقتيل لطفلته الناظرة
|
كل شيء تحطم في لحظة عابرة:
|
الصبا - بهجةُ الأهل ـ صوتُ الحصان ـ التعرفُ بالضيف ـ همهمةُ القلب حين يرى برعماً في الحديقة يذوي ـ الصلاةُ لكي ينزل المطر الموسميُّ ـ مراوغة القلب حين يرى طائر الموتِ
|
وهو يرفرف فوق المبارزة الكاسرة
|
كلُّ شيءٍ تحطَّم في نزوةٍ فاجرة
|
والذي اغتالني: ليس ربًا..
|
ليقتلني بمشيئته
|
ليس أنبل مني.. ليقتلني بسكينته
|
ليس أمهر مني.. ليقتلني باستدارتِهِ الماكرة
|
لا تصالحْ
|
فما الصلح إلا معاهدةٌ بين ندَّينْ..
|
(في شرف القلب)
|
لا تُنتقَصْ
|
والذي اغتالني مَحضُ لصْ
|
سرق الأرض من بين عينيَّ
|
والصمت يطلقُ ضحكته الساخرة!
|
(9)
|
لا تصالح
|
ولو وقفت ضد سيفك كل الشيوخ
|
والرجال التي ملأتها الشروخ
|
هؤلاء الذين تدلت عمائمهم فوق أعينهم
|
وسيوفهم العربية قد نسيت سنوات الشموخ
|
لا تصالح
|
فليس سوى أن تريد
|
أنت فارسُ هذا الزمان الوحيد
|
وسواك.. المسوخ!
|
(10)
|
لا تصالحْ
|
لا تصالحْ
|