ما هي الأحزاب ... ومعنى الحزب عند الصوفية ( الشاذلية ) (4 )

ما هي الأحزاب ... ومعنى الحزب عند الصوفية ( الشاذلية ) (4 )

اقتباس :: اللهم صلّ على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين

أصل الحزب
ـــــــــــــــــــ
1ـ في اللغة : الورد وَزْناً ومعنى ، إما أنه التؤية في ورد المــــاء ، أو ورد الرجل من القرآن والصلاة و الأذكار . والحزب ، الطائفة من الناس ومنه" كل حزب بما لديهم فرحون " أي كل طائفة هواهم واحد ، والحـــــزب النصيب ، والحزب جند الرجل المستعد للقتال ، وحزب الرجل أصحابه الذين على رأيه ، وكل قوم تشاكلت قلوبهم وأعمالهم فهم أحزاب ، وإن لــم يلحق بعضـــــــهم بعضاً ، والكافرون والمنافقون حزب الشيطان ، والمؤمنون حزب الله .
2ـ وفي الاصطلاح : أُطْلِقَ علي المجموع من الأذكار والأدعية والتوجيهات التي وُضِعَتْ للذكر والتذكير والتعًوذ من الشر وطلب الخير واستنــــــــتاج المعارف وحصول العلم مع جمع القلب علي الله سبـــــحانه بذلــــك ؛ وقد أحدثها الخلف من الصوفية ولم تكن موجودة في زمن السلف ، لقوة الأنوار والهمم في عهدهم لقرب عهد أنوار الرسالة فلما قَصُرت الهمم ، وضَعُفَتْ العزائم واختفت الأنوار ونقصت القرائـــح ، واستولت الغفلة ، ومرضت القلوب ، وقلَّ اليقين ، أجرى الله الأحزاب عــلى أيدي الخلق من مشايــــخ الصوفية وصالحي الأمة ، بحكم التصريف والنظر السديد ، إشغالاً للبطالين وإعانة للمريدين ، وتقوية للمحبين وحرمة للمنتسبين ، وترقية للمتوجهين ، وفتحاً للباب حتى يدخله عوامّ المؤمنين . وأحزاب أهل الكمال ممزوجة بأحوالهم مؤيَدةِ بعلومهم مسددة بإلهامهم ، مصحوبة بكراماتهم ، وكافة أهل الأقطار، مُطْبِقُونَ على تسويغ ذلــك ، إذ هي أصل الصوفية ، فيما يجمع قلوبهم على الله معاً . وكلما كان كذلك فهو مباح ، وما اقتضاه قول الإمام مالك من كراهة الــعمل بذلك محله ، بحيث كان الناس على طريق التحفظ في الاتباع وغيره ، وأما الآن فينبغي التمسك بقراءة الأحزاب والجمع للأذكار ولأن ذلك من روائـح الدين التي إذا انقطعت ، ذهب أثره بالكلية ، فالأحزاب مما يُتعبد به ، وليس في الشرع ما يدل لنفيه ، بل فيه ما يؤيد إثباته في آحاده ، وإن لــم يرد فيه في جملته سيما وهذا الحزب ( البر ) الذي نتكلم عليه ، جمع فيه الشيخ ( سيدي أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه ) بين ذكر الله وعظمته وكبريائه وأوصاف ربوبيته ، وذكر أوصاف العبودية والـنـــفس وخستها والحذر من غوائلها ، والتنصل منها والإشارة إلى منازل السائرين ومقامات العارفين وأحوال الصادقين مع الدلالة على خاص التوحيد وخالصُه واتباع الشرع ومطالبه ، فهو تعليم في قالب توجه ، وتوجه في قالب تعليم ، مَنْ نظره مِنْ حيث العلم وحده ، كامناً فيه ومن حيث العمل فهو عينه ، ومن حيث الحال فهو كامنٌ فيه ، وقد شهد بذلك شاهده عند الخاص والعام ، فلا يُسمع من كلامه شيئاً إلا وجد له أثر في نفسه ، ولا يقرأه إلا كان مثل ذلك ما لم يكن مشغولاً ببلوى ، أومشغوفاً بدنيا ، أو مصروفاً بدعوى ، أعاذنا الله من البلاء ، ثم شرط قبول الأحزاب كون واضعها ممن يصلح أن يُقــتدى بـــه وهو المنيب إذ قال " واتبع سبيل من أناب إليَّ" ثم ارتجى النفع بها من حيث الخاصية أو التذكير أو التبرك أو الإفهام وإلا كان تلاعباً أو ضلالاً أوغير مفيد في بابه . ثم كونها سالمة من الإيهام والإيهام الخارج عن النصوص والأفهام ومِنْ كمالها أن تكون خالية من التكلف والهوى والاختيار الصناعي ، مصحوبة بالنور محفوفة بانشراح الصدور ، لكونها جارية ، بحكم الحال ، موافقة لألفاظ الشارع ومعانيه راجعة ، ومبانيه مقصودة لوجه الله لا بقصد الابتداع والاستظهار والمراآه ، لأن كل كلام مصحوب بحالة صاحبه ، فما كان عن هوى أثار الهوى ، ومن تكلم عن هدى اُهتديَّ بكلامه وإلا.. فلا .. وهذا من أحزاب الشيخ الشاذلـــــي رضي الله عنه واضح إذ هو من الذين وجدت فيهم شروط من يُقْتَدَى به من عباده في تحصيل الإنابة ، وهي قيامه بحفظ حرمة الله ورسوله " صلى الله علي وآله وصحبه وسلم ." وأهل الاختصاص من عباده مع الرحمة لكافة الخلق ، والقيام فيهم بحقه ، ثم صحة أعمالهم بالسنة والتقوى وتكميلها بشهود المنة ، وترك الدعوى ظاهراً وباطناً ، حركة وسكوناً في كل وقت وعلى كل حال ، ثم إحكام أمره بالبصيرة النافذة والعلم الصحيح ، وإن لم يكن له تعبير ولا لسان فصيح . ثم لا يــضره طروء النقص يوماً ما ، إذا لم يقع إمداد ، ولا نقض للأصول بإرسال الجوارح في معاصـي الله ، والتصنع في طاعة الله ، والطمع في خلق الله ـ كما قال الشيخ رضي الله عنه ـ كان أعظم الناس مزية فــي وقته وأكبرهم منزلة ـ بشهادة أفاضل عصره ، وانعقد الإجماع علي قــبــــول طريقته فهو ممن يُقتدى به ويُهتدى بهديه لثبوت ديانته وكمال عقله وصـحة عمله وسداد حالته ، وما أُشكِلَ من كلامه تعيّن تأويله من أئمة الــدين وقـادة المسلمين بالوجه القابل له ، فإن لم يوجد وجْه مُسَلم له ولا يـعـــترض عليـه بمجرد الإيهام والإشكال ـ الذي الإيهام فيه ـ فتتلى أحزابه لأنها مــجربـــــــة البركة مُعرفة المعاني ظاهرة الرموز مستندة للكتاب العزيز والسنـة الصحيحة ، بل كلها أو غالبها منقول منهما إلا نادراً أو هو واضـح لا اختلاف فيه ولا شبهة .

المصدر : مقدمة في شرح الحزب الكبير ( البر ) تأليف الشيخ البهي محمد البهي عليه سحائب الرحمة والرضوان من علماء القرن الثالث عشر الهجري ( 1230 هـ )

تحقيق : صلاح عباس النجار

اقتباس :

» الصوفية بين الجهاد وكراسى السلطة